ما بعد معركة “طوفان الأقصى”: الحراك النسوي في مواجهة أخلاقيات النيوليبرالية الاستعمارية
منذ بدء معركة طوفان الأقصى، انهالت علينا أصوات الإنسانويين الليبراليين يزايدون علينا في الأخلاقيات التي ابتدعتها القاعدة الاقتصادية النيوليبرالية والتي تهدف إلى تشويش البوصلة وتجريد الإنسان من هويته وجذوره الثقافية إلى أن تمسخ فكر الإنسان وتوجهه حسب ما ترتضي عليه القوى الامبريالية ومصالحها المرحلية. المفاهيم الإنسانية التي يصدح بها الإنسانويون وبالتحديد النسوية الليبرالية التي أصبحت عبداً للرأسمالية والإسلاموفوبيا التي تصدرها للغرب فتزدري كل فعل مقاوم تقدمي مرتبط بمقاصد دينية متجاهلة الخلفية الثقافية الإقليمية.
إن الترف الفكري الذي تعتاش عليه الآيديولوجية الليبرالية وإصرارها على استحضار سياق حقوق المرأة والمسنين والأطفال عند اشتداد الصراع ضد العدو الصهيوني متناسية كم الانتهاكات والقهر الذي أُلحق بشعبنا رجالاً ونساء وأطفالاً من مجازر وابادات واعتقالات جائرة وتعذيب وسرقة أراضي وموارد هو محض عمالة وخسة، تمرر بخطاباتها أجندة صهيونية تبدأ بأنسنة العدو واجترار خطابات صهيونية مفادها نشر الأكاذيب والتضليل المتعمد لتشويه صورة المقاومة الحقة وكأن هناك طرفي نزاع اعتياديين متساويين بالقوى وليس طرف جلاد وآخر واقع عليه الظلم ومتكالب عليه من عدة قوى استعمارية سرطانية هدفها تفتيت شعوبنا وابادتها وفصل مصائرنا عن بعضها البعض في المنطقة العربية لحماية مصالح الصهاينة الاستيطانية الفاشية والتي تترأسها رأس الحربة أميركا. كذلك تكرار الصاق صفة “الارهاب” من قبل “الإنسانويين” لكل من يدعم استخدام المقاومة المسلحة كحق شرعي للدفاع عن حق الحياة والأرض هو أمر متوقع لأنهم متشربون لكل ما يملى عليهم من الغربي ويؤطر فكرهم وفق معايير تتسق مع مصالحهم الطبقية الاستعمارية، فمصطلح الارهاب ليس مفهوماً اعتباطياً، بل له جذور طبقية امبريالية وهو مصطلح غير حيادي سياسياً، يستخدم لاستدامة أشكال العنف والاستعمار، وأيضاً مشرعن مؤسساتياً لوصم ومعاقبة الطرف المقاوم وردع أي محاولة استرداد حق أصيل.
إن ظاهرة العبث المنتشرة بين أوساط النسويات الليبراليات وتسطيح قضايا شعوبنا العربية التي تخصنا غير عفوية أبداً، لها مقاصد واضحة في تجريدنا من ثوريتنا وتضليل حراكنا النسوي السياسي المناهض لآليات العسكرة الامبريالية الاستعمارية وتدخلاتها والتسليم بكل المعايير الغربية التي تستلب ثقافتنا العربية. مرجعيتنا النسوية لا تفاضل بين قضايا النساء القابعات تحت الاستعمار والعاملات تحت النظام الرأسمالي والمفقرات، ولن نسمح بالمزايدة علينا في مبادئ النسوية والبديهيات المفروغ منها، لكن الانتفاضة للدفاع عن صهيونيات – مجندات كانوا أم مدنيات- يخدمون آلة عسكرية تنكل بشعبنا وتنتهك أجسادهم وأرضنا هو عمالة.
خانة الانتقائية التي تضعونا فيها تنبع من ضيق ادراككم للحالة الاستعمارية وعدم أخذها بالحسبان عند محاكمة منطقكم وتحليلكم القاصر للقضايا والذي يصب في نفي جدوى المقاومة ضد عدونا الأوحد، لذلك فان أي تحليل مادي أو خطاب حقوقي لا ينطلق من كون إسرائيل كيان استعماري غير شرعي هو خنوع فكري وأخلاقي.
النسوية الجذرية التي نتبناها ترفض أنصاف الحلول، النسوية الثورية التي نطمح لها ترفض التركيز على قشور سطحية لا تضفي لحراكنا النسوي الشامل لكل الطبقات وتمعن في الانتصار لرفاهية نساء برجوازيات على حساب العاملات والمفقرات، وترفض الاستماتة بالدفاع أو اظهار أي نوع من التعاطف للمحتلين/ات على حساب المستعمَرات، لن نسمح بتدنيس نسويتنا واستخدامها كأداة لأنسنة الاحتلال والمحتلين/ات لأرضنا والتعاطف معهم ولن نخضع لأي ترهيب يتذاكى علينا لفصل نضالنا ضد هياكل الاضطهاد الاستعمارية ويفصل واحدة عن الأخرى دون أي فهم لسياقنا التاريخي والديني والجيو- سياسي. نحن نتبنى منهجاً نسوياً، يضع في مركز اهتمامه مناهضة الرأسمالية والامبريالية الاستعمارية التي تعيد انتاج معاناتنا، لا منهج يحصر نفسه في قالب آيديولوجي ينظر إلى الجندر كتناقض رئيسي. لذلك فان محاولاتنا المستمرة وتراكمات نضالنا المادي العملي نساء ورجالاً لتغيير ديناميات العلاقات والبنى التي تديم العنف والابادة تعزز ايماننا بعدالة قضيتنا فنحن أصحاب حق وأرض ولن ننجرف وراء أبواق الصهيونية التي تتعاطف مع الأدوات البشرية الفاعلة في الآلة الاستعمارية العسكرية القائمة على القتل والتنكيل والتشريد لأصحاب الأرض. لن نسمح بتلويث عقول أبنائنا وتجريدهم من قوميتهم الوطنية ليصبحوا أدوات غسيل سياسي لتاريخ الاستيطان وماهيته لتحييد بوصلة الأمة. نرفض أي خطاب نسوي لا يحدد تناقضاته وأولوياته ولا يشير إلى جذور مشاكلنا التي صدرت لنا من قبل القوى الامبريالية التي تتكاتف لتنفي جدوى المقاومة وتعمل بشكل دؤوب على تعتيم جرائم الاستعمار إقليمياً ودولياً وتكيل بمكيالين عندما يتم رد العدوان على الجلاد.
لا تمثلنا التنسيقات الأمنية والتمثيل النسبي من كل الآيديولوجيات التي تنظر علينا في اتفاقيات حقوق الإنسان وهم أتباع تلك المؤسسات والأمم التي تحب إلقاء محاضرات أخلاقية علينا حول التمسك بالقانون الدولي، وفي الآن ذاته تسمح بحدوث إبادات ومجازر جماعية ومناطق تباد منذ عقود ولا تحرك ساكناً بل وتدعم كيان الاحتلال الذي يسقط آلاف القنابل العشوائية وكذلك الأسلحة المجرمة قانونياً على منطقة غزة المحاصرة التي لا تطولها الإمدادات من كهرباء وماء وأدوية.
ختاماً، لا يمكن فصل التحرر الوطني لأي بقعة جغرافية عن نضالنا النسوي من أجل السيادة وانتزاع حق استقلالية الأرض والحياة وكذلك استعادة كتابة تاريخنا الذي يراد لنا أن ننفصل عنه وأرضنا التي ترتبط جذورنا فيها.
المجد لسواعد المقاومة الملهمة للأجيالِ الحرّة الذين يخوضون معركتنا ضد العدو لتطهير أرضنا وتحريرها من دنس العدو.