Close

من نحن؟

بيداء

منصة نسوية اشتراكية من شبه الجزيرةالعربية، تهدف لخلق حالة من التغيير الإيجابي في الحراك النسوي وإكمال النضال التحرري المناهض للرأسمالية

Image
سياسة واقتصاد ,قضايا المراة

من هم "البدون في الكويت "

july 9th, 2024

‏ لأننا نصدق أن التضامن النسوي لا يعترف بالحدود السياسية، وهو أكبر من أن تعيقه تلك الحدود، أخذنا على عاتقنا مسؤولية التوعية بالقضية وشرحها وتبسيطها.

‏- من البدون؟

‏يستخدم مصطلح "البدون/مقيمون بصورة غير قانونية" لوصف جماعة من سكّان البادية تقطن في دولة الكويت، حيث يطلق عليهم هذا الاصطلاح لكونهم عديمي جنسية. قضية البدون في الكويت -كما في بلدان الخليج- عبارة عن كرة ثلج تدحرجت وكبرت جراء القيود المشددة على قوانين الجنسية ومن نقص الآليات الفاعلة لمراجعة طلبات التقديم عليها، ولأن الحكومة تكاسلت في إيقاف هذه المعاناة ولم تزمع على إنهائها.

في عام 1959 وتحضيرًا للاستقلال عن بريطانيا، أصدرت حكومة الكويت القانون رقم 15 الخاص بالجنسية الكويتية. القانون وضع شروطًا لتحديد الإقامة في الكويت والتي بموجبها يتم استحقاق الجنسية وحقوق المواطنة والامتيازات الممنوحة للمواطنين. حاولت الحكومة آنذاك تسجيل سكّان الكويت والتعرف على المستحقين للجنسية، إلا أن الكثير منهم كانوا يعيشون في مناطق بعيدة (من أصول بدوية)، أو لم يعرفوا بشأن مسألة الحصول على الجنسية، وغيرهم لم يدركوا مفهوم المواطنة الجديد عليهم، وأخفقوا في التنبؤ بما سيشمله هذا الأمر من حقوق وامتيازات. الحقيقة أن البدون يستحقون الجنسية بموجب القانون، ففي البيانات الحكومية تم إحصاء البدون ضمن إجمالي تعداد المواطنين، وبيانات التعداد من ذلك التوقيت تذكر نحو ثلث سكّان الكويت بصفة البدون. أبلغت الحكومة الكويتية البدون بأن لديهم الحق في التقدم للحصول على الجنسية وإصدار وثائق مؤقتة تعرفهم على أنهم بدون جنسية ومن هنا ظهر مصطلح "البدون".

إلا أن بين عام 1960 و1987 عدلت الحكومة الكويتية قانون الجنسية سبع مرات، وفي كل مرة تقوم بإدخال قيود جديدة على شروط استحقاق الجنسية. شملت التعديلات قيودًا فرضت عام 1960 تحد من عدد المجنّسين سنويا إلى 50 شخصًا، وتعديل عام 1980 صادر حق المواطنات الكويتيات في تمرير الجنسية إلى بناتهنّ وأبنائهنّ الغير كويتيين، وتعديل عام 1981. الذي اشترط الدين الإسلامي للحصول على الجنسية الكويتية.

‏- ما الذي يترتب على كونهم "بدون"؟

‏اشتدت وبدأت المعاناة حين تم إنشاء الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيميين بصورة غير قانونية بمرسوم أميري في عام 2010، بناءً على خارطة الطريق لحل القضية التي أصدرها المجلس الأعلى للتخطيط، ظننا كمعنيين أن هناك حلولًا جذرية، ومرّت 14 سنة ولم تحمل لنا معها إلا الهم، وخارطة الطريق تلك لم تكن إلا حبرًا على ورق، فالجهاز خلق حالة من التمييز في المجتمع البدونيّ للتعليم العالي واختزاله بأبناء العسكريين وأبناء الكويتيات مما أنشأ جيلًا جاهلًا غير متعلم، ورهن التعليم الخاص والحكومي والعالي بالبطاقة الأمنية حتى ولو على نفقتهم الخاصة. من المبادئ ومرتكزات الحل لمشكلة البدون أن توفر وسائل الحياة الكريمة وذلك باستمرار تقديم الخدمات الأساسية كالعلاج والتعليم وغيرها، تأكيدًا على الالتزام بمبادئ ومعايير المحافظة على حقوق الإنسان، والحاصل أن الدولة وجهاتها منعت التعليم والعلاج عن البدون المدني أو المنتهية بطاقته، وجعلت الحصول على هذه الحقوق مقابل مبالغ مالية، كما لا تكفل الدولة لذوي الإعاقة أي حق أو حماية، ولا تقدم المساعدة ولا تدعمهم وعائلاتهم ولا تشركهم في الأنشطة، ولا تغطي النفقات المتعلقة بالإعاقة كالتأهيل، ولا تلبي الاحتياجات كتوفير أجهزة بسيطة التكلفة. التمييز الصحي ضد البدونيات استفحل، فالمستشفيات اليوم ترفض توليد الحامل التي لا تملك بطاقة صالحة وتجديدها يشترط قبول جنسية مزورة، ولا يقتصر الانتهاك على ذلك، هناك بعض الأدوية التي لا تصرف إلا للكويتيات والكويتيين منها: أدوية الضغط والسكر، والعلاجات الهرمونية، والأدوية التي تصرف لمريضات السرطان، والتحاميل المهبلية لمعالجة الفطريات، وإبر السيولة الضرورية بعد الولادة، وغير مسموح بالكشف المبكر عن سرطان الثدي أو الحصول على لقاح الورم الحليمي، ولا يستثني التمييز الموظفات البدونيّات في القطاع الصحي، فقد غصت مواقع التواصل الاجتماعي والشوارع من مناشدات البدون لأجل تسديد الرسوم، أو السماح بإصدار جواز سفر للعلاج بالخارج، أو مساعدة طفلة مصابة بالسرطان، ولم تفعل الحكومة إلا منع نشر المناشدات ومحاسبة ناشريها بتهمة جمع التبرعات مما نتج عنه حالة مأساوية للعوائل التي ليس لها معيل، وفي المقابل تم رفع أسعار الإيجار والسلع الغذائية والملبس. قبل المنع، لم تحرك كل تلك المناشدات مسؤولًا أو ضميرًا، فالجهاز المركزي الذي يمثل الحكومة سبق ومنع إصدار جواز سفر للطفل البدون عبد العزيز وتسبب بمقتله على الرغم من مناشدات أبيه، وعطّل إصدار جواز سفر للمرأة البدون بشاير الشمري وتسبب بمقتلها.

نحن نرى أن الجهاز المركزي دولة داخل دولة، فهو لا يكترث لأمر القوانين والقرارات، أبرزها قرار مجلس الوزراء بشأن استقبال المعاملات الخاصة بمواليد ووفيات فئة المقيمين بصورة غير قانونية، ومنحهم شهادة ميلاد، وشهادة وفاة على أن يدون في خانة الجنسية عبارة "غير كويتي"، إلا أن الجهاز يتفنن في توزيعنا للدول المجاورة، ونجد أنفسنا تارةً سعوديات تبعًا للأخ، وتارةً عراقيات تبعًا للجد أو العم.

‏الحكومة التي تنتزع حق العلاج، بالطبع لا تتمسك بالمبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها الحق في التعليم، مثل: عدم التمييز، وتكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة، وحصول الجميع على التعليم، ولا بالدستور الذي تتشدق به: "التعليم ركن أساسيّ لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه"، ولا بالقانون الدوليّ. انتُهِك حق التعليم في الكويت حين تَقرر منحه مقابل مبالغ ماليّة للفرد البدونيّ المدنيّ، وتبعت هذا القرار انتهاكات عدة، كطرد الطفلات والأطفال البدون من المدارس بسبب انتهاء صلاحية البطاقة الأمنية التي لا تعد هوية شخصية بحسب قوانين الحكومة، أو بسبب تراكم الرسوم الباهظة، وترتب على ذلك الحرمان من حضور الاختبارات في حالة عدم تسديد الرسوم، وعدم تسليم الشهادات الدراسية إلى أن يتم تسديدها، بالإضافة إلى الحرمان من إكمال التعليم العالي الذي لا يستثني أي فئة من البدون (عسكري/مدني). وبذلك حققت الكويت الحكومة غاية الوثيقة السرية التي من أهدافها خنق البدون وتعسير الأوضاع، جهّلت أجيالًا ونشرت الأمية بيننا، لدرجة أن لجأت بعض العوائل إلى تسجيل البنات والأبناء في مدارس مؤقتة تسمى "كتاتيب البدون" يديرها متطوعون، ولم يكن حق التعليم مكفولًا بالنسبة لنا، لطالما كان مشلولًا على الرغم من أنه لا ينبغي أن يكون النظام التعليميّ إقصائيّ ومتحيز، ويضاعف المعاناة على الفئات المهمشة.

‏مجتمعنا البدونيّ بأكمله يعاني من الدولة ومواطنيها، والنساء وإن كن يملكن امتيازات تطولهن يد المنظومة الأبويّة، لكننا نفصل معاناة البدونيّة من خلال حراك تقاطعيّ، ونضعها تحت المجهر لأنها تتعرض لتجارب فريدة ومختلفة من الاضطهاد والتمييز، وهناك عوامل عديدة ساهمت بحرمانها من حقوقها كامرأة أولًا وكعديمة جنسيّة ثانيًا، مثل: الجنس، والعرق، والطبقة، والجنسيّة، والهويّة، والأصل. النظام الأبويّ الذي ترعاه الحكومة من أكبر التحديات التي تواجه المرأة البدونيّة، وساهم هذا النظام بقمعها ونبذها، ومنعها من اتخاذ قراراتها الذاتية، وأعاق مشاركتها في صنع القرار. فالمرأة البدونيّة (البعض) إلى يومنا هذا لا تستطيع المشاركة بقضيتها والمطالبة بحقها على غرار الرجال، ومن أسعفها الحظ واستطاعت أن تعبر عن رأيها غالبًا تتعرض لشيطنة وإقصاء من قِبل بعض الرجال البدون، كردة فعل على تواجدها في مكان "مخصص للرجال"، أو للابتزاز والتهديد بالملاحقات القانونية والقيود الأمنيّة التي تؤثر على أحفاد الجدّ العاشر من قِبل كلاب الهوية الوطنيّة، والجهاز النازي وزبانيته. تقاوم البدونيّة انتهاكات وقيود كثيرة، وأبرزها: القيود على اختياراتها سواء في تخصصها الدراسيّ، أو عملها، أو الزواج، أو اختيار لباس معيّن لها. تلك القيود تحدد حركتها وقدراتها على حسب معايير المجتمع مما يؤدي للحد من فرصها في الحياة، وهذا يوجهنا مباشرةً إلى سحق الرأسماليّة لها وصراعها معها، والتمييز الذي تواجهه البدونيّة في سوق العمل حيث تكون محدودة الفرص، وتصنف من الأيادي العاملة الرخيصة، ويتم استغلالها واستعبادها لتحقيق مكاسب اقتصاديّة، ويُسمح لأصحاب العمل باستغلالها والإفلات من العقاب (التحرش/تأخير الراتب وسرقته)، وأيضًا الرواتب المنخفضة بالمقارنة مع الرجال، على الرغم من قدراتها ومؤهلاتها. تواجه المرأة البدون تحديدًا عرقلة كبيرة في التوظيف تبدأ من تهميش الحكومة لها ولقدراتها، وأبويّة المجتمع وقطاعه الخاص وتعطشه للاستعباد والاستغلال، فمعظمنا رأينا الشروط الذي يحددها المسؤول لتوظيف البدونيّة ولا ضرر من ذكرها، وهي كالتالي: يجب أن تخلع نقابها مع العلم أنها بدويّة مجبرة حتى وأن أرادت ذلك، وأن تكون حسنة المظهر، أو متفرغة ومتاحة في أي وقت. وتنتهي بتعسف الأسرة والقبيلة وشروطها في الوظيفة مثل: عدم الاختلاط، والعمل في فترة الصباح فقط، ولا تعمل في عيادة طبية، أو مكتب محاماة، أو شركة اتصالات، أو صالون نسائيّ. بالإضافة إلى استغلال المعلمات البدونيات اللاتي لا يجدن وظيفة في القطاع الحكومي، ويلجأن إلى الحضانات التي تكثر بها سرقة الرواتب، والتحرشات، ليعملن كمعلمات رواتبهنّ لا تتجاوز 150 دينار. كما أن بيت الزكاة لم يعد يتعامل مع البدون وفقًا للشريعة الإسلامية، فهو يحرم البدون عامةً من الزكاة، ولا يوجد اليوم من يأبه لأمر الأرامل والمطلقات.

المرأة البدون من أكثر النساء حاجة للمال وقيود المجتمع تعاونت مع الحكومة وصعبت حصولها عليه، نعي تمامًا أن الفقر متفشي بالمجتمع البدونيّ، ومتسع، لكنه يتضاعف على النساء لأن العائلة تقدم الذكور على الإناث، وتدرّسهم وإن كان بالمال، أي أن النساء البدون تعرضن لتفقير مُزدوج، ووضعهنّ الخاص سببًا في استغلالهنّ، وجعلهن لقمة سائغة بين فُكُوك الشركات، يعملن لساعات طويلة وبأجور منخفضة، وأكثريّة الوظائف التي توظف البدونيّات هي وظائف استعباديّة تستنزف طاقتهنّ، ويتعرضن فيها للاستغلال والعنصريّة، والتمييز الجنسي، والتحرش، والطرد التعسفيّ، كما أنها تفتقر إلى الضمانات الصحيّة والاجتماعيّة، ولا ننسى أن البدونيّة كبقيّة النساء مجبرة على العمل غير المأجور (العمل المنزلي). وبالنسبة إلى قوانين العمل فالمرأة البدون العاملة لا تشملها الإجازات، مثل: إجازة الوضع والأمومة ورعاية الأسرة، والإجازات المرضيّة آثناء فترة الحمل، وإجازة العدة. وحتى الزواج تتعمد الحكومة تعقيده وإضفاء إهانة أبوية عليه، تضطر بعض الحالات إن كانت البطاقة الأمنيّة منتهيّة إلى "زواج المخفر"، والاعتراف بأن المرأة مارست الجنس خارج إطار الزواج، من أجل توثيق عقد الزواج.

‏أما بما يخص الرجال ففرص العمل شبه معدومة وتعمل الحكومة على قدمٍ وساقٍ من أجل اعتقالهم ووضع قيود أمنيّة عليهم، بالإضافة إلى ملاحقة الباعة المتجولين وزجهم بالسجون ومصادرة أغراضهم، ويضطر البدون قبل زواجه إلى إرسال كتاب للجهاز المركزي، وانتظار موافقته على هذه الزيجة.