الرأسمالية وصناعة الجنس
بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية في الستينات من القرن التاسع عشر، بدأت الحركات التحررية في الولايات المتحدة تنشأ، وكانت من بينها الحركة النسوية التي نادت بالمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. بدأت الحركة في التركيز على الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية للمرأة، وهو ما أدى إلى انخراط متزايد للنساء في سوق العمل. ومع بروز التوجه الإقتصادي النيوليبرالي عالمياً، بدأت تبرز هيمنته وتأثيره على الحركة النسوية واختراقها بالحركات الليبرالية وتشتيتها، مما جعلها تركز أكثر على قضايا الهوية والميول الجنسية والتعددية الثقافية بدلاً من التغييرات الاقتصادية والاجتماعية.
النسوية الليبرالية تتبع نمطًا فرديًا تقدم فيه حرية الاختيار الفردية على المصلحة المجتمعية، مستندة إلى مبدأ الحرية الفردية المطلقة والتجارة الحرة. هذا النمط الفرداني تخلل الحراك النسوي بالاضافة إلى تركيزها على المساواة الشكلية في المناصب، دون تحليل جذري وطبقي للمسائل التي تلامس صميم معاناة النساء من الطبقات الوسطى والمفقرة. هذه المساواة الشكلية تعتمد على اعتبار المرأة والرجل على أنهما أدوات تخدم تعزيز علاقات جديدة بين قوى السلطة، مما يسهم في ديمومة سلطة رأس المال وانتاجها لعدم المساواة أو استبدال شكل قمعها بإشراك النساء فيها لتصبح أكثر "شمولية" … وبذلك تتحول النسوية من حركة جماهيرية للنضال السياسي إلى مشروع فرداني لتأكيد الذات والتمكين، دون معالجة جذور القمع الممنهج والظلم.
تعتمد النسوية الليبرالية على مفهوم "تمكين المرأة"، حيث أنها تعتبر الاستقلال المادي للمرأة هو المفتاح لتحريرها. ومع ذلك، يتجاهل هذا التوجه فئات من المجتمع تعاني من التمييز الطبقي والذي يترتب عليه من تحيز اجتماعي وسياسي، تحديداً ضد النساء السود واللاجئات ونساء الجنوب. تدعي النسوية الليبرالية بإضفاء قيمًا مثل الريادة والاعتماد على الذات وحق الفرد في العيش بحرية في الحراك النسوي، ولكن في الوقت نفسه، تعجز عن تحقيق العدالة الاجتماعية لجميع الفئات وتسلم نفسها لمقاييس السوق الحر والنيوليبرالية، مما يؤدي إلى تمحور حقوق المرأة حول الحصول على الاستقلالية المادية ومراكمة الأرباح الاقتصادية على حساب القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. فأصبحنا نشهد ترويج ودعم مؤسسات مثل صناعة الجنس/ البغاء/الدعارة من قبل الحركة النسوية البرجوازية الليبرالية واليسارية الاجتماعية على المستوى العالمي، تحت مسمى الاستقلالية المادية والربح، وتدعي أنها "إيجابية الجنس وتمكن جسد المرأة"، وهذا تناقض يسهل استغلاله.
حركة "الجنس الإيجابي" هي حركة اجتماعية نشأت في الستينيات والسبعينيات كرد فعل على التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها تلك الفترة، مثل حقوق المرأة والحركة الجنسانية. في العقود التالية، نمت هذه الحركة لتشمل مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك التعليم الجنسي وحقوق المثليين، ومكافحة الاستغلال الجنسي، وتعزيز الصحة الجنسية وما يتضمنه من تغيير الأعراف الثقافية حول الحياة الجنسية، وتعزيز الاعتراف بالجنس كجزء طبيعي من التجربة الإنسانية، وتشجيع السيادة الشخصية والجنس بالتراضي.
على غرار ما تضمنته تلك الحركة من أهداف، إن "الجنس الإيجابي" ينبغي أن يكون قائماً على الرضائية بين طرفين، لا يتم احتكاره من خلال قوى الإكراه الأبوي والرأسمالي. فمفهوم "ممارسة الجنس الرضائية" لا يتشكل بدافع ربح رأسمالي مرتبط به، ولا ينتمي إلى مؤسسات مبنية على العنف الجنسي، ولا يجرّد "موافقة" عاملات الجنس "الظاهرية" من سياق استغلال القوى الاقتصادية والسياسية لظروف النساء القاهرة التي تدفعهم قسراً إلى العمل الجنسي. يتعين علينا أن نفهم أن مفهوم التراضي والحرية - بما فيها حرية التصرف بالجسد والسيادة- في سياق الرأسمالية الأبوية ليس أمرًا ثنائي الطرف إما أبيض أو أسود، بل يتطلب تحليلًا ماديًا وجيوسياسيًا للفجوات الطبقية وكيفية تأثيرها على تجارة الجنس واستدامتها. إذا تم تجاهل هذه الأبعاد، فإن معالجة هذه القضية ستكون غير فعالة وقد تؤدي إلى كوارث من حيث إعادة إنتاج ديناميكية القوة الجنسية التي يمارسها الرجل -بحكم النظام الأبوي- على المرأة والتي تتمثل في ديمومة تسليع الجنس وأجساد النساء.
إن أحد أهداف الإمبريالية الاستعمارية هو تأمين الاقتصاد السياسي والرأسمالي العالمي عبر توليد مؤسسات قائمة على تسليع النساء وترسخها باعتبار أنها ضرورة مجتمعية لتحرر المرأة على المستوى الاقتصادي. لذلك نرى أن للدعارة طابع خاص في ظل الرأسمالية الإمبريالية التي يحركها الفقر والعزلة الاجتماعية المرتبطة بالمجتمع الطبقي، مما يفسر أن غالبية العاملين في قطاع العمل الجنسي من دول الجنوب ومناطق النزاع والحروب، منزوعي الخيار ويتم حرمانهم بشكل روتيني من الحق في ترك العمل بأمان. لذلك اختزال العمل الجنسي بأنه خيار "نمط حياة" أو "مهنة" كأي مهنة تحت الرأسمالية بدلاً من فرض إمبريالي عنيف وأبوي، يفيد البرجوازية الاستعمارية ويجعل المستغلين جنسياً دون البشر ويحرمهم من استدامة حقوقهم الاجتماعية.
ببساطة، "حرية الاختيار" التي يروج لها الليبراليون غير موجودة، إذ تعتمد الاختيارات الحياتية للأفراد بشكل كبير على التغيرات الاقتصادية والسياسية، فهناك وقائع مادية تفسر وجود النساء من الطبقة الفقيرة والمستعمرات والفئات المضطهدة الأخرى مثل السوداوات والسكان الأصليين والمهاجرات بشكل أكبر في الدعارة العالمية. استخدام مقياس "الحرية" كقدرة على الشراء والبيع دون قيود يوضح سبب تبرير المستلبين للثقافة الغربية وأتباع الآيدولوجية الليبرالية واليسارية الاجتماعية للتوسع في صناعة الجنس دون تفكيك الهيكل الطبقي للدعارة."حرية الاختيار" الذي يروج لها الليبراليون ببساطة غير موجودة لأن كل الاختيارات الحياتية للفرد تعتمد بشكل كبير على الحراك الاقتصادي وكذلك السياسي للفرد. فهناك وقائع مادية تفسر سبب وجود النساء من الطبقة الفقيرة والمستعمرات الفئات المضطهدة الأخرى مثل السوداوات والسكان الأصليين والمهاجرات بشكل أكبر في الدعارة العالمية. لذلك بمجرد إدراك أن مقياس "الحرية" الذي يستخدمه العديد من الغربيين والليبراليين واليسار الاجتماعي عموماً اليوم هو القدرة على الشراء والبيع كما يشاء المرء دون قيود، يصبح من الواضح سبب تبريرهم للتوسع في صناعة الجنس ويغيب عنهم تشكيل الهيكل الطبقي للدعارة.
ما بين "الجنس كخدمة عمل مقابل المال" و "اعتبار النساء كسلع جنسية"
الأيديولوجية الليبرالية تعترف بوجود صراع طبقي مبني على المصالح الفردانية، لكنها تميل إلى مساواة جميع أطراف النزاع، ولا تأخذ عدم المساواة الجذري بين الأطراف ولا تفاوت موازين القوى الاقتصادية والاجتماعية بين المرأة والرجل في عين الاعتبار. لذلك نرى محاولات النساء الليبراليات إلى تفخيم مسألة التفريق بين "تجارة الجنس والعمل الجنسي" متناسين أن أي فعل يوقع بالاكراه وتتم فيه استغلال سلطة على الآخر هو اغتصاب مؤسساتي مسلح بالفساد الاجتماعي والعمل الجنسي القسري بفضل النظام الأبوي والرأسمالية الإمبريالية.
إن الجهود الرامية للتمييز بين "العمل الجنسي" و "الاتجار بالجنس" كمحاولة لتخفيف تبعات هذا العمل كما لو أن العمل موجود كعارض منعزل وليس كناتج من وظائف التجارة الأوسع ما هو إلا عبث. الدعارة ليست خيارا حراً بل هو مشروع بملايين الدولارات، يستعين بأجساد النساء الفقيرات والمستعمرات كرأسمال جنسي، لذلك فإن مقارنة الدعارة -بعواقبها الجسدية والعقلية التي تنتج عنها- بأي عمل آخر تحت النظام الرأسمالي هو إجحاف وفيه قصور لرؤية هياكل الاستغلال الطبقي المدمج بالعنف الأبوي!
عن حجة تقنين العمل الجنسي لحماية العاملات/ين فيه
كثير ما يدور عند اليسار الاجتماعي عن تقنين الدعارة لتبقى تحت إدارة وتنظيم الدولة، وتطالب هذه الحركات بانشاء نقابات عمالية ظناً أنها تمد العاملات/ين بحماية قانونية ومزايا اجتماعية مشروطة، ولكن يغفل عنهم أن معظم عاملات الجنس ليس لديهن عقد -متعاقدات غير مستقلات يشترط كفيل/وسيط- لذلك من الناحية القانونية لا يوجد أي "رئيس عمل" للتفاوض معه.. وهذا هو السبب في عدم وجود نقابات، فقط جمعيات مهنية في دول مثل ألمانيا ونيوزيلندا المقننة للعمل الجنسي- لا تزال يتعذر الوصول إليها من قبل معظم النساء المتورطات في الدعارة.
معظم الأشخاص القائمين على النقابات هم من السماسرة ورعاة التجارة بالبشر مرتبطين بصفة مباشرة بمؤسسات مشبوهة تراكم في الأرباح وتعزز صناعة السياحة الجنسية في دول العالم الثالث مستغلين حاجة المستضعفين/ات في هذه الدول التي تعاني من فجوات وأزمات اقتصادية!
كل هذه الحجج تعيد استفحال فكرة تجريد المرأة من كينونتها الانسانية وترسيخ ثقافة ان النساء مجرد أدوات لإشباع رغبات الرجل، وأن الجنس شي يُفعَل بها لا معها وتاخذ مقابل عليه، خصوصًا أن غالبية عاملات الجنس -حتى في البلدان المقننة للدعارة مثل ألمانيا وهولندا و أستراليا- لم يستطعن التحرر من أسر هذه المهنة رغم محاولاتهن المتكررة لتركها.
الدعارة كنوع من العبودية الحديثة والاستعمار المدمجين مع رأس المال العالمي الامبيريالي
تم الترويج للدعارة و تجارة الجنس التي تنتفع منها قوى الأمن الفاسدة من سلاسل الفنادق الدولية وشركات الطيران والصناعة السياحية الى جانب صندوق النقد الدولي والجيش الأمريكي وأيضاً البنوك الدولية بل حتى الحكومات ذو التوجه النيوليبرالي.
إن المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي- منحت قروضا كبيرة- للعديد من الدول الآسيوية مثل تايلند ودول أمريكا اللاتينية وأفريقيا لتطوير صناعة السياحة الجنسية وتعزيز اقتصاد الدول بحيث أن الأموال تتجه من مناطق ضعف تركز الرأسمال باتجاه مراكز القوى الامبريالية. هنالك ملايين من قصص النساء اللامنتهية في دول شرق الأوسط وشرق آسيا وكذلك أفريقيا التي توضح لكم كيف يكون العمل الجنسي امتداداً للعنف الإمبريالي العالمي. فالجيوش الأمريكية والصهيونية -كأمثلة حية- لها تاريخ طويل مع الاغتصاب والتجارة بالنساء كسلاح حرب للترهيب ويتغذى فيه على التمييز الجنسي اللي يضع النساء تلقائياً بموقف أضعف مجتمعياً. لطالما كانت الانتهاكات الجسدية والاغتصابات الجماعية والتجارة بالبشر التي تطول النساء بشكل أكبر، جزء من سياسة العسكر الامبيرالي.
حسب موقع havescope، بلغت ايرادات الولايات المتحدة الأمريكية السنوية من الدعارة ١٤.٦ مليار دولار أمريكي، ودخل الكيان الصهيوني من الدعارة بلغ نصف مليار سنوياً. هذه الاحصائيات توضح ارتباط الاستعمار الإمبريالي وسياساته العسكرية بالانتهاكات الجسدية التي تعرضت لها النساء بشكل أكبر، فقد تم استخدام النساء كأدوات للتحكم وبسط القوة لإذلالهن، سواء كن في سياق الاستعباد الجنسي، أو الاستغلال الاقتصادي على يد الجنود الاستعماريين والمستوطنين.
هل يحمي التقنين عاملات الجنس كما يروج له؟
تواجه العاملات في الجنس انتهاكات جسيمة، مرتبطة بمستويات عالية من العنف الجسدي أو الجنسي أو الجماعي في مكان العمل، وغيرها من الأعباء الصحية والاجتماعية مثل ارتفاع خطر الإصابة بالإيدز وغيره من الأمراض المنقولة جنسياً والنتائج السيئة على الصحة الإنجابية والعقلية كذلك.
عندما يتعلق الأمر بالدعارة، لا توجد هناك فروقات كبيرة في تجارب النساء العاملات في هذا المجال بين البلدان التي تقرُّ بشرعية الدعارة وتلك التي تحظرها. ففي ألمانيا، حيث تعتبر الدعارة شرعية وقانونية، اشتكت 59% من بائعات الهوى من تعرضهن لأنواع مختلفة من الإيذاء الجسدي. بينما في واشنطن بأمريكا، حيث تُحظَر الدعارة، اشتكت 50% من بائعات الهوى من التعرض للإيذاء الجسدي، والأدهى أن القضاة في المحكمة لا يبدون اهتمامًا جادًا بتحقيق العدالة لهؤلاء النساء وإنصافهم إذا تعرضن للاغتصاب أو الأذى النفسي والجسدي سواء كانت الدعارة مقننة أم لا.
وعندما نلقي نظرة على البلدان المقننة للدعارة، مثل هولندا وأستراليا، نرى تداعيات غير متوقعة. في هولندا، بعد تقنين الدعارة في منتصف التسعينات، شهدت حالات استغلال الأطفال جنسياً زيادة بنسبة 300% خلال الفترة من 1996 إلى 2001، مع استجلاب الأطفال الضحايا من دول مثل نيجيريا وتايلاند. وفي أستراليا، بعد تقنين الدعارة في ولاية فيكتوريا، شهدت زيادة هائلة في حالات الاستغلال الجنسي للأطفال، وفقًا لتقرير منظمة ECPAT المعنية بحقوق الطفل.
تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا مباشرًا بين صناعة الدعارة وتجارة البشر، حيث يستفيد المتاجرون بالبشر من هذا القطاع بشكل كبير. وتظهر الأبحاث أيضًا أن النساء العاملات في الدعارة يعانين بشكل كبير، حيث يبلغ 89% منهن رغبتهن في ترك هذا العمل بأمان. وتظهر الأبحاث الميدانية في تسع دول أخرى أن نسبة الاعتداءات الجنسية والجسدية على النساء العاملات في الدعارة تتراوح بين 60 و 75% وبين 70 و 95% على التوالي، مع ارتفاع نسبة معاناة اضطراب ما بعد الصدمة إلى 68%.
بينما تواجه الدول تحديات في مكافحة هذه الظاهرة، يظل السؤال مطروحًا حول امكانية حماية حقوق النساء والأطفال الضحايا وتحقيق العدالة في مثل هذا القطاع.
هذه الاحصائيات الكارثية توضح مدى بشاعة العنف المطبق على النساء في هذا المجال رغم تقنينه في بعض الدول. وأيضاً نلاحظ أن تقنين الدعارة أو التعاطي معها مرتبط ارتباط وثيق في زيادة الطلب على الجنس وزيادة الرأسمال الجنسي والاتجار بالبشر.
هذه الدراسات توضح أن التقنين بالضرورة يؤدي إلى توسيع سوق الجنس التجاري ويشارك في تعذيب منظم وممنهج من قبل الدولة ما يخلق الملاذ الآمن للمجرمين الذين يتاجرون بالبشر. شبكات الجرائم المنظمة لدى الحكومات النيوليبرالية لا تسجل الحوادث ولا تدفع الضرائب ولا حتى تحمي العاملات فكيف نطالب بالتقنين؟ إن المناداة بالتقنين أو بعمل نقابات ماهو إلا تسهيل لتواطؤ مؤسسات الدولة والقوى الفاسدة مع الهيمنة الأبوية لتسهيل تراكم رأسمال جنسي.
أصبح من الواضح سعي النسوية الليبرالية في تكييف خطابها مع تغيرات السوق المستمرة، مما يجعل مفهومها لحرية المرأة مرتبطة بسقف السوق بدلاً من الحريات الأساسية التي تسعى المرأة لنيلها. إن السياسات النيوليبرالية المتبعة في سوق العمل تعمل على تدجين المرأة بحيث تمتنع عن مناهضة التمييز الطبقي والمجتمعي والالتفات “للحرب مع مخاوفها” التي في الأصل تشكلت بفعل السوق الرأسمالي والذي يتغذى على تذبذب الاستقرار النفسي ومعاملته كسلعة يمكن الربح منها في مجالات عدة مثل قطاع الصحة النفسية وقطاع التجميل وسوق العمل وغيره.
كما تجبر النسوية النيوليبرالية مئات الآلاف من النساء اللواتي يخضعن لضغط الحاجة المالية إما على التضحية بدورهن كأمهات، كما هو الحال تحت نظام الكفالة العبودي، إذ يقضين ساعات عمل طويلة في منزل نساء برجوازيات ويرعين أطفال النساء وشؤون المنزل من تنظيف وطبخ واعتبار خدمتهن الشاقة وجهدهن المبذول كسلعة، أو اكراههن بالدخول في قطاع يحط من كينونتهن ويسلع أجسادهن مثل قطاعات التجميل وصناعة الجنس.. وبهذا تلبي النسوية النيوليبرالية وعودها بتحقيق حرية النساء بإلغاء ما يمكن أن يُعرف بالسلطة الأبوية، لتتجه نحو نظام آخر يتمثل في سلطة سوق العمل وجعلها رهينة له.
وبهذا يتلخص دور المرأة تحت الرأسمالية في تعزيز الاقتصاد وتزويد السوق بجهدها الذي يعامل كمنتج، وبجسدها الذي ينتهك واعتباره كسلعة لتراكم الأرباح، وتجريدها من انسانيتها كآلة إنجاب لمد السوق باليد العاملة، مع غياب الدعم القانوني والاجتماعي، مما يجعلها عرضة للاعتداء سواء في الأسرة أو في مكان العمل.
أخيراً، نؤكد بأنه لا يمكن فصل الاستمالة والإكراه الجسدي والاقتصادي والملاحقة بعد ترك العمل الجنسي والانتهاكات.. وعزلها في قضايا فردية. هذا تحليل ليبرالي سطحي يمحو تمامًا حدة العنف الأبوي المتأصل في صناعة تجارة الجنس.
الأولى والأجدر هو رفض "هذا العمل" كحل جذري، حيث أن الحلول المطروحة لحماية العاملات -وان كانت مؤقتة- ستعيد إنتاج حلقة الاستغلال، وذلك بسبب بنية النظام الاقتصادي القائم على توسع رأسمال الامبيرالي الجنسي. فلا نهمل الهدف الجذري وهو إلغاء هذا النظام بمؤسساته الاستغلالية بالكامل!